ارسال مسلم بن عقيل (ع) رسالة من الكوفة الى الامام الحسين عليه السلام - 09 ذو القعدة

 ارسال مسلم بن عقيل (ع) رسالة من الكوفة الى الامام الحسين عليه السلام 


السلام   ارسال مسلم بن عقيل (ع) رسالة من الكوفة الى الامام الحسين عليه السلام

ارسال مسلم بن عقيل (ع) رسالة من الكوفة الى الامام الحسين عليه السلام


ارسال مسلم بن عقيل (ع) رسالة من الكوفة الى الامام الحسين عليه السلام

 09  ذو القعدة عام 60 هج

قرابته بالمعصوم

ابن أخو الإمام علي، وابن عم الإمامين الحسن والحسين(عليهم السلام).

اسمه وكنيته ونسبه

أبو عبد الله، مسلم بن عقيل بن أبي طالب.

أُمّه

جارية، اسمها علية.

ولادته

ولد في عام ۲۲ﻫ بالمدينة المنوّرة.

زوجته

ابنة عمّه، رقية بنت علي بن أبي طالب(عليهم السلام).

مكانته

كان (عليه السلام) من أجلّة بني هاشم، وكان عاقلاً عالماً شجاعاً، وكان الإمام الحسين(عليه السلام) يلقّبه بثقتي، وهو ما أشار إليه في رسالته إلى أهل الكوفة.

ولشجاعته اختاره عمُّه أمير المؤمنين(عليه السلام) في حرب صفّين، ووضعه على ميمنة العسكر مع الحسن والحسين(عليهما السلام).

إخبار النبي(صلى الله عليه وآله) بقتله

قال الإمام علي(عليه السلام) لرسول الله(صلى الله عليه وآله): «يا رسول الله إنّك لتحبّ عقيلاً؟

قال: أي والله إنّي لأحبّه حُبّين، حبّاً له وحبّاً لحبّ أبي طالب له، وإن ولده مقتول ـ ويقصد بذلك مسلم ـ في محبّة ولدك، فتدمع عليه عيون المؤمنين، وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون.

ثمّ بكى رسول الله(صلى الله عليه وآله) حتّى جرت دموعه على صدره، وقال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي»(۲).

خروجه إلى الكوفة

ارتأى الإمام الحسين(عليه السلام) أن يُرسل مندوباً عنه إلى الكوفة يهيّئ له الأجواء، وينقل له واقع الأحداث؛ ليستطيع أن يقرّر الموقف المناسب، ولابدّ لهذا السفير من صفات تؤهّله لهذه السفارة، فوقع الاختيار على مسلم بن عقيل(عليه السلام)؛ لما كان يتّصف به من الحكمة والشجاعة والإخلاص.

خرج مسلم(عليه السلام) من المدينة المنوّرة متوجّهاً إلى الكوفة في ۱۵ شهر رمضان ۶۰ﻫ، ويصحبه قيس بن مسهر مع دليلان يدلّانه الطريق.

حمله لرسالة الإمام الحسين(عليه السلام) لأهل الكوفة

خرج(عليه السلام) من المدينة حاملاً رسالة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى أهل الكوفة، جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين، أمّا بعد: فإنّ فلاناً وفلاناً قدما عليَّ بكتبكم، وكانا آخر رسلكم، وفهمت مقالة جلّكم أنّه ليس علينا إمام فأقبل لعلّ الله يجمعنا بك على الحقّ، وإنّي باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهلي مسلم بن عقيل، فإن كتب إليَّ أنّه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم، أقدم عليكم وشيكاً إن شاء الله تعالى»(۳).

وصوله إلى الكوفة

وصل(عليه السلام) الكوفة في ۵ شوال ۶۰ﻫ، فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وأقبلت الناس تختلف إليه، فكلّما اجتمع إليه منهم جماعة، قرأ عليهم كتاب الإمام الحسين(عليه السلام) وهم يبكون، وبايعه الناس، حتّى بايعه منهم ثمانية عشر ألف رجل.


كتابه إلى الإمام الحسين(عليه السلام): 09 ذو القعدة

كتب مسلم(عليه السلام) كتاباً من الكوفة إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، جاء فيه: «أمّا بعد، فإنّ الرائد لا يكذب أهله، وأنّ جميع أهل الكوفة معك، وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا، والسلام»(۴).

 ما  كتبه عملاء الحكم الأُموي عن تحرّكه

أرسل العملاء إلى يزيد رسائل تخبره عن مجيء مسلم(عليه السلام)، منها: «أمّا بعد، فإنّ مسلم بن عقيل قد قدِم الكوفة، وبايعته الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب، فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قوياً ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوّك، فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعّف»(۵).

إرسال ابن زياد إلى الكوفة

كتب يزيد بن معاوية رسالة إلى واليه في البصرة عبيد الله بن زياد؛ يطلب منه أن يذهب إلى الكوفة ليسيطر على الوضع فيها، ويقف أمام مسلم(عليه السلام) وتحرّكاته.

ومنذ وصول ابن زياد إلى قصر الإمارة في الكوفة، أخذ يتهدّد ويتوعّد المعارضين والرافضين لحكومة يزيد.

خروجه من دار المختار

لمّا سمع(عليه السلام) بوصول ابن زياد وما توعّد به، خرج من دار المختار سرّاً إلى دار هاني بن عروة ليستقرّ بها، ولكنّ جواسيس ابن زياد عرفوا بمكانه، فأمر ابن زياد بإلقاء القبض على هاني بن عروة وسجنه.

إعلانه الثورة على ابن زياد

لمّا بلغ خبر إلقاء القبض على هاني بن عروة إلى مسلم، أمر(عليه السلام) أن ينادى في الناس: «يا منصور أمت»، فاجتمع الناس في مسجد الكوفة.

فلمّا رأى ابن زياد ذلك، دعا جماعة من رؤساء القبائل، وأمرهم أن يسيروا في الكوفة ويخذلوا الناس عن مسلم، ويُعلموهم بوصول الجند من الشام.

فلمّا سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرّقون، وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها وزوجها وتقول: انصرف الناس يكفونك، ويجيء الرجل إلى ابنه وأخيه ويقول له: غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر؟! فيذهب به فينصرف، فما زالوا يتفرّقون حتّى أمسى مسلم وحيداً، ليس معه أحداً يدلّه على الطريق، فمضى على وجهه في أزقّة الكوفة، حتّى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة، وهي على باب دارها تنتظر ولداً لها، فسلّم عليها وقال: يا أمة الله أسقيني ماءً، فسقته وجلس.

فقالت: يا عبد الله، قم فاذهب إلى أهلك؟ فقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر منزل، فهل لك في أجرٍ ومعروف ولعلّي أُكافئك بعد اليوم؟ فقالت: ومَن أنت؟ قال: أنا مسلم بن عقيل، فأدخلته إلى دارها.

مقاتلته لجيش ابن زياد

وفي الصباح عرف ابن زياد مكان مسلم(عليه السلام)، فأرسل جماعة لإلقاء القبض عليه، ولكنّ مسلم أخذ يقاتلهم قتال الأبطال وهو يقول:

أقسمتُ لا أُقتلُ إلّا حرّا *** إنّي رأيتُ الموتَ شيئاً نُكرا

كلُّ امرىءٍ يوماً ملاق شرّا *** أخافُ أن أُكذب أو أُغرّا

حتّى أُثخن بالجراحات، فألقوا عليه القبض وأخذوه أسيراً إلى ابن زياد.

دخوله على ابن زياد

أُدخل(عليه السلام) على ابن زياد، فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلاً، ومسلم(عليه السلام) لا يكلّمه.

ثمّ قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثمّ أتبعوه جسده. فأخذه بكر بن حمران الأحمري ليقتله، ومسلم يكبّر الله ويستغفره، ويصلّي على النبي وآله ويقول: «اللّهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا».

ثمّ أمر ابن زياد بقتل هاني بن عروة فقُتل، وجُرّت جثّتاهما بحبلين في الأسواق.

شهادته

استُشهد في ۹ من ذي الحجّة ۶۰ﻫ، ودُفن بجنب جامع الكوفة في العراق، وقبره معروف يُزار.

ما نظمه الشعراء في مظلوميته

۱ـ قال عبد الله بن الزبير الأسدي:

«إذا كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري *** إلى هاني بالسوقِ وابنِ عقيل

إلى بطلٍ قد هشّم السيفُ وجهَهُ *** وآخرَ يُهوي من طِمارِ قتيل

ترى جسداً قد غيّر الموتُ لونَهُ *** ونضح دم قد سال كلّ مسيل».

۲ـ قال السيّد باقر الهندي(قدس سره):

«سقتك دماً يابن عمّ الحسين *** مدامع شيعتك السافحة

ولا برحت هاطلات الدموع *** تحيّيك غادية رائحة

لأنّك لم ترو من شربةٍ *** ثناياك فيها غدت طائحة

رموك من القصر إذ أوثقوك *** فهل سلمت فيك من جارحة

تُجرّ بأسواقهم في الحبال *** ألست أميرهم البارحة

أتقضي ولم تبكك الباكيات *** أما لك في المصر من نائحة

لئن تقض نحباً فكم في زرود *** عليك العشية من صائحة»(۷).

——————————–

۱- اُنظر: معجم رجال الحديث ۱۹ /۱۶۵رقم۱۲۳۶۲، أعيان الشيعة ۱ /۵۹۱.

۲- الأمالي للصدوق: ۱۹۱ ح۲۰۰٫

۳- الإرشاد ۲ /۳۹.

۴- مثير الأحزان: ۲۱٫

۵- الإرشاد ۲ /۴۲.

۶- مثير الأحزان: ۲۶٫

۷- إبصار العين: ۸۷٫

بقلم: محمد أمين نجف

وسوم مسلم بن عقيل, شهر رمضان

شارك في نشر الموضوع


خروج مسلم بن عقيل (ع) الى الكوفة

تتابعت كتب أهل الكوفة إلى الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهي تحثه على المسير والقدوم إليهم لإنقاذهم من ظلم الأمويِّين وعُنفهم ، وكانت بعض تلك الرسائل تحمِّلُه المسؤولية أمام الله والأمة إن تأخر عن إجابتهم .

ورأى الإمام – قبل كل شيء – أن يختارَ لِلُقيَاهُم سفيراً له ، يُعرِّفه باتجاهاتهم وَصِدقِ نِيَّاتِهم ، فإن رأى منهم نيَّة صادقة ، وعزيمة مُصمَّمة ، فيأخذ البيعة منهم ، ثم يتوجّه إليهم بعد ذلك .

وقد اختار ( عليه السلام ) لسفارتِه ثقتَه وكبيرَ أهلِ بيتِه مسلم بن عقيل ، فاستجاب له عن رِضىً ورغبة ، وَزوَّدَهُ برسالة وهي : ( مِن الحُسينِ بن عَلي إِلى مَن بلغهُ كتابي هذا مِن أوليائِه وَشيعَتِه بالكوفة : سلامٌ عليكم ، أما بعد : فَقَد أتَتْني كُتُبكُم ، وفهمتُ ما ذكرتُم مِن مَحبَّتِكم لِقُدومِي عَليكم ، وأنا بَاعثٌ إِليكم بِأخي وابنِ عَمِّي وثِقتي من أهلي مسلم بن عقيل ، لِيعلمَ لِي كُنْهَ أمْرِكُم ، ويكتبَ إِليَّ بما يَتبَيَّن له من اجتماعِكُم ، فإن كان أمرُكم على ما أتَتْني بِه كُتُبُكم ، وأخبَرَتني به رُسُلُكم ، أسرعتُ القُدومَ إليكُم إِن شَاء اللهُ ، وَالسَّلام ) .

وتَسلَّم مسلم الرسالة ، وغادر مكة ليلة النصف من رمضان ، فَصلَّى في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وَطَاف بِضريحِه ، وَودَّع أهله وأصحابه ، وكان ذلك هو الوداع الأخير لهم ، واتَّجهَ صَوبَ العِراق ، واستأجر دَليلين من قَيس يَدُلاَّنَه عَلى الطريق .

وسار مسلم يطوي البيداء ، حتى دخل الكوفة فاختار النزول في بيت المختار الثقفي ، لوثوقه منه بإخلاصه للإمام الحسين ( عليه السلام ) وتفانيه في حبه .

وفتح المختار أبواب داره لمسلم ، وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ، ودعا الشيعة إلى مقابلته ، فأقبلوا إليه من كُلِّ حَدبٍ وصَوب ، وهم يظهرون لَهُ الولاء والطاعة .

وانثَالَت الشيعةُ على مسلم تبايعه للإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكانت صيغة البيعة الدعوة إلى كتاب الله وسُنَّة رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجهاد الظالمين ، والدفع عن المستضعفين ، وإعطاء المحرومين ، وقِسمَة الغنائم بين المسلمين بالسويَّة ، وَرَد المَظالم إلى أهلها ، ونصرة أهل البيت ( عليهم السلام ) .

رسالة مسلم للإمام الحسين ( عليه السلام ) : 09 ذو القعدة

ازداد مسلم إيماناً ووثوقاً بنجاح الدعوة حينما بايعه ذلك العدد الهائل من أهل الكوفة ، فكتب للإمام ( عليه السلام ) يَستَحِثّه فيها على القدوم إليهم برسالة هذا نَصُّها : ( فإنَّ الرائدَ لا يكذب أهله ، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفا ، فَعجِّل حين يأتيك كتابي ، فإن الناس كُلُّهم معك ، ليس لَهم في آل معاوية رأي وَلا هَوى).

أما موقف النعمان بن بشير – والي الكوفة – من الثورة فقد كان موقفاً يتسم باللِّين والتسامح ، وقد اتَّهمَهُ الحزب الأموي بالضعف ، أو التضاعف في حفظ مصلحة الدولة ، والاهتمام بسلامتها ، فأجابهم : لأَنْ أكونَ ضعيفاً وأنا في طاعة الله أحَبُّ إليَّ من أن أكون قوياً في معصية الله ، وما كنتُ لأهتك ستراً ستره الله .

ودافع النعمان عن نفسه بأنه لا يعتمد على أية وسيلة تبعده عن الله ، ولا يسلك طريقاً يتجافى مع دينه ، وقد استبانَ للحزب الأموي ضعف النعمان ، وانهياره أمام الثورة .

اتصال الحزب الأموي بدمشق :

قام الحزب الأموي باتصال سريع بحكومة دمشق ، وطلبوا منها اتخاذ الإجراءات الفورية قبل أن يتَّسع نطاق الثورة ، ويأخذ العراق استقلاله ، وينفصل عن التبعية لدمشق .

ومن بين الرسائل التي وفدت على يزيد رسالة عبد الله الحَضْرَمي التي جاء فيها : ( أما بعد : فان مسلم بن عقيل قدم الكوفة ، وبايعته الشيعة للحسين بن علي ، فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويا ينفذ أمرك ، ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان بن بشير رجلٌ ضعيف ، أو هو يَتَضعَّف ) .

فكتب يزيد إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة هذه الرسالة : ( أما بعد : فإنه كتب إليَّ شيعتي من أهل الكوفة يُخبرونني أن ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لِشَقِّ عصا المسلمين ، فَسِرْ حين تقرأُ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة ، فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة ، حتى تثقفه فتوثقه ، أو تقتله ، أو تنفيه ، والسلام ) .

فأمر يزيد بِتَولِيةِ عبيد الله بن زياد على الكوفة بدلاً من النعمان بن بشير .

وفي اليوم الثاني لِوصولِه إلى الكوفة خَرجَ مُتقلِّداً سيفه ، ومعتمّاً بعمامة ، فاعْتَلى أعوادَ المنبر وخطب الناس ، فقال : ( أما بعد : فان أمير المؤمنين ولاَّني مِصرَكُم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مَظلومكم ، وإعطاء محرومكم ، وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مُريبكم ، فأنا لِمُطيعكم كالوالد البرَّ الشفيق ، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي .

ولم يُعرِّض في خطابه للإمام الحسين وسفيره مسلم ( عليهما السلام ) ، وذلك خوفاً من انتفاضة الجماهير عليه وهو بعد لم يَحكُم أمره ، وعمد ابن زياد إلى نشر الإرهاب وإذاعة الخوف .ويقول بعض المؤرخين : إنه لما أصبح ابن زياد بعد قدومه إلى الكوفة صَال وجَال ، وأرعَد وأبرَق ، وأمسك جماعة من أهل الكوفة فقتلهم في الساعة ، وقد عمد إلى ذلك لإِماتَةِ الأعصاب ، وَصَرف الناس عن الثورة .

وفي اليوم الثاني أمر بجمع الناس في المسجد وخرج إليهم بِزيٍّ غير ما كان يخرج به ، فخطب فيهم خطاباً عنيفا تَهدَّد فيه وتوعَّد ، فقد قال بعد حمد الله والثناء عليه : ( فإنه لا يُصلح هذا الأمر إلا في شِدَّة من غير عنف ، ولِينٍّ من غير ضعف ، وأن آخذ البريء بالسقيم، والشاهِد بالغائب ، والوَلي بالوالي ) .

وبعد أن علم الطاغية بواسطة جواسيسه بأن هانئ بن عروة هو العضو البارز في الثورة وأن مسلم قد غَيَّر مكانه من دار المختار إلى دار هانئ ، وأن هانئ يقوم بِدَورٍ فعَّال في دعم الثورة ومساندتها بجميع قدراته ، وعرف ابن زياد بأن دار هانئ أصبحت مركزاً عامّاً للشيعة ، ومَقَرّاً لمسلم بن عقيل ، لم يقم ابن زياد بكبس وتطويق دار هانئ ، وأحجم عن ذلك لعجزه عسكرياً ، وعدم مقدرته على فتح باب الحرب .

فإن دار هانئ مع الدُور التي كانت محيطة بها كانت تضم أربعة آلاف مقاتل مِمَّن بايعوا مسلماً ، بالإضافة إلى أتباع هانئ ومكانته المَرمُوقة في الكوفة ، فلهذا لم يستطع ابن زياد من القيام بشيء نظراً للمضاعفات السيئة .

رسل الغدر :

أنفق ابن زياد لياليه ساهراً يطيل التفكير ، ويطيل البحث مع حاشيته في شان هانئ ، فهو أعزُّ من في المصر ، وأقوى شخصية يستطيع القيام بحماية الثورة ، فإذا قضى عليه فقد استأصل الثورة من جذورها .

وقد اتفق رأيهم على إبلاغ هانئ برغبة ابن زياد بزيارته ، وشكَّلوا وفداً لدعوته إلى قصر الإمارة ، فحضر معهم إلى القصر .

وبعد مشَادَة كلامية طالبَهُ ابن زياد بتسليم مسلم ، فَسَخرَ منه هانئ وأنكر عليه قائلاً له مقالة الرجل الشريف : لا آتيك بضيفي أبداً ، وعندها سجنه ابن زياد في إحدى غرف القصر .

ولما علم مسلم بما جرى لهانئ بادر لإعلان الثورة على ابن زياد ، لعلمه بأنه سيلقى نفس المصير الذي لاقاه هانئاً .

فأوعز إلى أصحابه ، فاجتمع إليه أربعة آلاف ، وهم ينادون بشعار المسلمين يوم بدر : يا مَنصُور أَمت .

وعندها أوعز الطاغية إلى جماعة من وجوه أهل الكوفة أن يبادروا بِبَثِّ الذعر ونشر الخوف بين الناس ، وترويج الإشاعات الآتية :الأولى : التهديد بجيوش أهل الشام التي ستشيع فيهم القتل والتنكيل إن بقوا مُصرِّين على المعصية والعناد .الثانية : حِرمانَهُم من العطاء .الثالثة : تَجميرهم في مَغَازي أهل الشام ، وَزَجِّهم في سَاحات الحُروب .الرابعة : أنهم إذا أصرّوا على التَمرّد فإن ابن زياد سَيُعلن الأحكام العرفية ، وَيسَوِّسَهم بسياسة أبيه ، والتي تحمل شارات الموت والدمار ، حتى يقضي على جميع ألوان الشغب والعصيان .

وانطلق هؤلاء الجواسيس إلى صفوف جيش مسلم ، فأخذوا يشيعون الخوف ، ويبثّون الأراجيف ، ويظهرون لهم الإشفاق خوفاً عليهم من جيوش أهل الشام القادمة .

فَمُنِي جيشُ مسلم بهزيمة مُخزية لم يَحدث لها نظير في جميع فترات التاريخ ، فقد هَزمَتهُ الدعايات المُضلِّلة من دون أن تكون في قِبالِهِ أيَّة قُوَّة عسكرية ، ولم يمضِ قليل من الوقت حتى انهزم معظم جيش مسلم .

وقد صلَّى بجماعة منهم صلاة العشاء في الجامع الأعظم فكانوا يَفرّون في أثناء الصلاة ، وما أنهى ابن عقيل صلاته حتى انهزموا بأجمعهم ، وقد أمسى وحيداً طريداً مُشرَّداً ، لا مأوى يأوي إليه ، ولا قَلبٌ يعطف عليه .

شهادة مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) :

طوى مسلم ليلته حزيناً تساوِرُه الهُموم ، وكان – فيما يقول المؤرخون – قد قضى شطراً من الليل في عبادة الله ، ما بين الصلاة وقراءة القرآن .

وقد خفق في بعض الليل ، فرأى عَمَّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فأخبره بِسرعَةِ اللحَاق به ، فأيقنَ عند ذلك بِدُنُوِّ الأجلِ المحتوم منه .

وقد أصدرت سلطات ابن زياد أمراً تَضمَّنَ ما يأتي :أولاً : الحكم بالإعدام على كل من آوى مسلماً مهما كانت مكانته الاجتماعية .ثانياً : إنَّ دِيَّة مسلم تكون لمن جاء به .ثالثاً : إن من ظَفِر بمسلم تمنحه السلطة عشرة آلاف درهم .رابعاً : إن من يأتي به يكون من المُقرَّبين عند الطاغية يزيد ، وينال ثقته .

وتَمَنَّى أكثر أولئك الأوغاد الظفر بمسلم بين عقيل ، لينالوا المكافأة ، وكذا التَقَرّب إلى يزيد بن معاوية .

وبعد أن جرت معركة غير متكافئة بين مسلم وبين أزلام ابن زياد جُرح فيها مسلم وسقط على الأرض ، فوقع في أسر أعدائه ، وسلَّموه إلى الطاغية ابن زياد ، فأمر بإلقائه من أعلى القصر .

واستقبل مسلم الموت بثغر باسم ، فَصُعِدَ به إلى أعلى القصر ، وكان يسبِّح الله ويستغفره بِكلِّ طُمأنينة ورضا ويقول : ( اللَّهُمَّ احكُمْ بيننا وبَين قَومٍ غَرّونا وَخذلونا ) .

واستُدعِيَ الجَلاَّدُ ، فَضَربَ عُنُقَه ، وَرَمى برأسه وجسدهِ ( عليه السلام ) إلى الأرض ، وسقط مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) شهيداً ، دفاعاً عن الحق ، ودفاعاً عن مولاه الإمام الحسين ( عليه السلام ) .

وسوم مسلم بن عقيل, الامام علي, الكوفة

شارك في نشر الموضوع

Popular posts from this blog

ادعية شهر رمضان اليومية

مناسبات واعمال شهر رمضان المبارك

مناسبات واعمال شهر ذو الحجة